الجمعة، 22 مايو 2009

الكويتيون يعيدون الاعتبار لديمقراطيتهم والوجه الحضاري لبلدهم

الكويتيون يعيدون الاعتبار لديمقراطيتهم والوجه الحضاري لبلدهم
كلمة الأمير كانت بداية التغيير
ترافق مع التوتر الاجتماعي الذي شهدته انتخابات 2006 توتر سياسي عال، وتحالفات واسعة جمعت بين الإسلامي والليبرالي وما بينهما، ورغم ذلك اقتحمت المرأة معترك العمل السياسي والبرلماني بشكل كثيف فاق كل التوقعات، (حيث ترشح فيها 27 امرأة )، وإن صبت مشاركة المرأة كأول تجربة لها في القنوات السابقة نفسها، ولم تغير كثيراً في المزاج السياسي والشعبي العام المطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري الشامل بل كانت رافدا له.. وكان على رأس تلك المطالب إصلاح النظام الانتخابي وتقليص عدد الدوائر الانتخابية إلى خمس، فطغى شعار «نبيها خمسة» على ماعداه من الاهتمامات، وهو الشعار الذي حسم نتيجة الانتخابات العامة (2006) لصالح المنادين بإصلاح النظام الانتخابي كخطوة أولى للإصلاح السياسي والاقتصادي.. وقد استجابت حكومة الشيخ ناصر المحمد لهذا الاستحقاق ودفعت لمجلس الأمة بالقانون رقم 42/2006 الذي قلص عدد الدوائر الانتخابية من 25 إلى خمس دوائر. 

ظروف استثنائية 
مما تقدم نخلص إلى أن دخول المرأة المعركة الانتخابية العام 2006 كان مفاجئاً، وبعد أقل من عام من إقرار حقوقها السياسية كاملة غير منقوصة في 16/5/2005، وقد تم ذلك بدفع ومساندة قوية من قبل صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، عندما كان رئيساً للحكومة، حيث استطاع تجاوز التلكؤ والمماطلة التي مارسها بعض النواب في مجلس الأمة تجاه هذا الاستحقاق الديمقراطي والحضاري الهام. 
الناشطات السياسيات والجمعيات النسائية والقوى الليبرالية المساندة للحقوق السياسية للمرأة، تراخت بعد صدور المرسوم الأميري بإقرار الحقوق السياسية للمرأة، وأجلت استعداداتها لخوض المعركة الانتخابية الى ما قبل نهاية الفصل التشريعي العاشر أواخر العام 2007، إلا أن حل المجلس والدعوة الى انتخابات عامة مبكرة أربكت استراحة المحارب وحسابات الجميع، ورغم تلك الظروف الصعبة لم تتوان المرأة عن دخول الانتخابات، حيث ترشح عدد من النساء في أكثر من دائرة من الدوائر الخمس والعشرين، واثبتن حضوراً مهماً فاق كل التوقعات، وإن لم يحالفها الحظ في الفوز في أحد المقاعد. 

توزير المرأة وانتخابات 2008 
بعد حوالي العام على انتخابات 2006، جاءت انتخابات 2008 مفاجئة أيضاً للمرأة، ولاسيما أن تجربتها الماضية في الترشيح والانتخابات تمت على أساس الدوائر الـ 25، وها هي وفي فترة لا تتجاوز الشهر أمام انتخابات جديدة على أساس الدوائر الخمس، فكان عملا مضينا للمرأة وأنصارها، فالنطاق الجغرافي للدوائر الانتخابية اتسع بشكل كبير، وازداد تعداد الجمعية الانتخابية من بضعة آلاف ناخب الى ما بين 40 - 100 ألف ناخب في الدائرة الواحدة. ومع ذلك أثبتت المرأة الكويتية قدرة فائقة على التحدي وإثبات وجودها لتصبح نموذجا يحتذى به في المنطقة، وعلى مستوى الوطن العربي، ويسندها في ذلك مبادرات حكومية رائدة بدأها سمو الأمير بتوزير أول امرأة في 12/ 7 / 2005، وهي الدكتورة معصومة المبارك بعد شهرين من إقرار الحقوق السياسية للمرأة، وسبق ذلك تعيين امرأتين في المجلس البلدي في يونيو العام 2005، ثم توسع سمو الشيخ ناصر المحمد في منح هذا الحق، وعين وزيرتين في حكوماته الممتالية، وهما الدكتورة موضي الحمود والأستاذة نورية الصبيح، وقد أثبتت الأخيرة قوة وخبرة وصلابة سياسية أذهلت الجميع عندما واجهت استجوابا تعسفيا، ومحاولات لحجب الثقة عنها، وإفشال تجربة مشاركتها السياسية، الا أنها صمدت ونالت الثقة بأغلبية. 
وكانت الوزيرة السابقة والنائبة الحالية الدكتورة معصومة المبارك قد قدمت نموذجا فريدا في التاريخ السياسي في الكويت، عندما أعلنت تحملها المسؤولية كاملة عن خلل فني وإداري أدى الى حريق في مستشفى الجهراء عندما كانت وزيرة للصحة، ولم تلق بالمسؤولية «على الفراش» كما يقال في المثل السائد في الإدارة الحكومية. 
وهكذا حققت المرأة الكويتية حضورا مميزا في الأداء السياسي والبرلماني من خلال توزيرها، ودخلت حوالي 17 امرأة انتخابات 2008، وحصدن مجتمعات حوالي 8 ٪ من الأصوات وبما يعادل، ما حصل عليه مرشحو التنظيمات السياسية التحالف الوطني الديمقراطي، والحركة الدستورية حدس، والتحالف الوطني الإسلامي، والتجمع السلفي، حيث حصل مرشحوها ما بين 9 - 10 ٪ لكل منها على حدة. واحتلت الدكتورة أسيل العوضي المركز الـ 11 في دائرتها كما حصلت د.رولا دشتي ود.فاطمة العبدلي، وذكرى الرشيدي، وغيرهن على أصوات مهمة فاق تعدادها ما حصل عليه كثير من المرشحين الرجال في دوائرهن الانتخابية. 

الدخول النسوي 
انتخابات 2008، وفرت خبرة مهمة للمرأة وأنصارها لكونها الأولى التي تتم وفقا للدوائر الانتخابية الخمس، كما أن مؤيدي المرأة الذين كانوا موزعين على أكثر من دائرة من الدوائر الـ 25 في السابق، التم شمل معظمهم في دائرة واحدة. 
على هذا الإيقاع من المبادرات الحكومية والخبرة التراكمية، جاءت انتخابات 2009، وعلى الرغم من أنها جاءت مبكرة أيضا إلا أنها أجريت كسابقتها في إطار قانون الدوائر الخمس، فاستفادت المرأة من الحملات المؤيدة لها في الانتخابات الماضية التي مازالت مفاعيلها ماثلة، كما استفادت من إيجابيات وأخطاء حملتها في الانتخابات الماضية، وجاءت الحملات المؤيدة للمرأة، والتي نادت بالتغيير وحسن الاختيار، وتحركت منظمات المجتمع المدني وظهرت جماعات العمل التطوعي ونشاطها المكثف في هذه الانتخابات. لتسهم إسهاما فعالا في تمكين المرأة من الوصول إلى قاعة عبدالله السالم. 
لاشك أن النقلات الحضارية التي شهدتها الكويت في مطلع القرن الـ(21) باتجاه إنضاج الاستحقاق الديمقراطي، ومنها إقرار الحقوق السياسية للمرأة ساهمت في تمهيد الطريق باتجاه استكمال عملية الوعي والنضج الديمقراطي والحضاري، وهو أمر ما كان له أن يكون قصرا على الحكومة، بل هو من مهمات الشارع الكويتي، والتنظيمات السياسية ولاسيما ذات البعد الحضاري والديمقراطي وتشكيلاتها المختلفة، ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والعمل التطوعي، كما سبق أن ذكرنا وتساءلنا حينها، هل ترتقي منظمات ومؤسسات المجتمع المدني الى مستوى هذه الاستحقاقات التاريخية والنقلات الحضارية التي أنجزتها الحكومة؟ أم أنها تبقى مجرد مجموعات منعزلة ويافطات وعناوين لا هم لمنتسبيها الا الظهور الإعلامي والبرستيج الاجتماعي؟ 
الحقيقة أن الجواب جاء وإن متأخرا، إلا أنه حقق الكثير، فما شهدناه خلال الاستعدادات للانتخابات الاخيرة، وتمثل في حملات شبابية وأعمال تطوعية، قادها ناشطون سياسيون وإعلاميون ومثقفون رجالا ونساء، حقق الكثير من النجاح، وكان تعبيرا مهما لرفض الأجندات الدينية والطائفية والقبلية لصالح التحولات، لتدعيم أسس المجتمع المدني. 

تلبية النداء السامي 
ما إن أطلق صاحب السمو أمير البلاد كلمته المدوية في 18/3/2009، وشخص الداء تشخيصا دقيقا، وأوكل العلاج للشعب صاحب السيادة، حتى ترددت أصداؤها في كل أنحاء الكويت، وحرك صداها الشيب والشباب، الرجال والنساء فتنادوا للعمل من أجل الكويت وإعادة الاعتبار لديمقراطيتها وتعديل مسارها. تعددت الأسماء وتوحد الهدف، مجموعات تطوعية وطنية تداعت دون أن يكون بينها رابط، بل مبادرات شعبية مظلتها الدستور وشعارها احترامه، وحافزها الإول حب الكويت وإزاحة ما لحق بصورتها وديمقراطيتها من غشاوات وتشوهات، فانداح الكثير من الإحباط، وارتفعت معدلات الراغبين في المشاركة في الانتخابات والتغيير بعد حالة الإحباط التي سادت. 
«أوان» في إطار تغطيتها للحراك الديمقراطي والحملات الانتخابية تتبعت هذه الفزعة من قبل عدد من شباب الكويت رجالا ونساء بكل أطيافهم لإصلاح الاختلالات أينما وجدت، والتوعية بمخاطر الاستمرار، بما حذر منه سموه، وتسبب في تعثر الأداء الديمقراطي. 
كان التجاوب منقطع النظير، وغير متوقع مجموعات فاق تعدادها الـ 15 مجموعة، تعمل لوضع سد بين المرحلة السابقة للحل، وترسم ملامح المرحلة القادمة، فخطاب الأمير شخص العلل، ووضع مفاتيح الحل بيد الناخبين. 
فعلى صعيد التجمعات النسائية برزت تجمعات عدة منها «التجمع النسائي الحر»، و«تحالف أنصار المرأة»، و«صوت الكويت». كما ظهرت حملات شعبية تدعو لحسن الاختيار، وأهمية المشاركة في الانتخابات، مثل حملة «أقسم»: وهي عبارة عن إعلان وطني تطوعي معد بعناية وحرفية، ويحمل كما من الرسائل تتناول القيم الإنسانية والديمقراطية والمدنية التي تكرس روح المواطنة، وتحولت الى دعوة لحث الناخبين على المشاركة الفاعلة في الانتخابات، وقدمها وشارك فيها مجموعة من الشخصيات المعروفة، وذات الحضور الاعلامي والاجتماعي في المجالات المختلفة والتوجهات المتنوعة، في حين أطلقت مجموعة من شباب الكويت حملة «للكويت أصوت» الإلكترونية، بهدف تحفيز الناخبين للمشاركة في انتخابات مجلس الأمة 2009، بالتعاون مع جمعية الشفافية الكويتية، وتتضمن نشر مقاطع فيديو للقطات تمثيلية يؤديها مجموعة من الشباب لمحاربة الفرعيات وشراء الأصوات، كما برزت حملة «علشان الكويت»، شارك فيها 380 شاباً متطوعاً، لتوعية الناخبين بحسن الاختيار من بين المرشحين. 
وجاءت حملة «متطوعون من أجل الكويت»، لترفد هذا الحراك المدني، وهي مجموعة أهلية تضم مجموعة من الناشطين السياسيين والإعلاميين والوزراء والنواب السابقين، والشخصيات العامة المهتمة بالشأن الكويتي العام في المجالات السياسية والاقتصادية، إضافة إلى حملة «لنساهم من أجل الكويت»، التي أطلقتها قائمة المستقلة في جامعة الخليج، هدفها رفع مستوى المشاركة في الاقتراع، والعمل بما جاء في الخطاب الأميري السامي بضرورة حسن الاختيار، وحملة «فكر.. الكفاءة أولاً»، شعارا لتعريف الناخبين بأهمية التركيز على كفاءة المرشحين عند المفاضلة بينهم، وهناك موقع «انتخب» الإلكتروني، أنشأه مجموعة من الشبان المتطوعين، هدفه استقصاء المعلومات ومقابلة المرشحين، ومن ثم جمع قاعدة بيانات لمساعدة المرشحين في حملاتهم الانتخابية، ومساعدة الناخبين في معرفة السيرة الذاتية لكل مرشح عبر المعلومات التي يوفرها الموقع. 

التعاطي مع الفرعيات 
وإذا كانت فترة الحملات قد شهدت الكثير من الإيجابيات، فإنها أيضا لم تخل من بعض الممارسات الأمنية التي اعتبرت من السلبيات، مثل اعتقال عدد من المرشحين لمخالفتهم القانون في إطار استعداداتهم لإطلاق حملاتهم الانتخابية، وعلى الرغم من المآخذ على طريقة تعامل الجهات الأمنية مع هذه الأحداث، إلا أنها في جانب آخر نبهت الى أهمية الابتعاد عن التجريح في الشخصيات العامة، وعدم إثارة الشارع، وكل ما من شأنه أن يسيء للوحدة الوطنية، وحدت كثيرا من المزايدات غير المستحبة التي ترافق عادة الحملات الانتخابية، ويتضمنها الخطاب الانتخابي للمرشحين، واستطاعت أن تضع سقفا أعلى لمثل هذه المزايدات، ووضع الخطاب الانتخابي في إطاره الحضاري.. وجاء في هذا السياق منع ندوات المرشحين بعد الحادية عشرة ليلاً، وفرض غرامة تتراوح ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف دينار على من يضع صورة مرشح على مركبته، وساهمت هذه الإجراءات في الحد من الفوضى التي تصاحب الانتخابات، وتسيء للمظهر الحضاري للحملات الانتخابية، خاصة في ظل وجود الفضائيات التي انتشرت في البلاد، والتراجع عن منع إقامة الندوات في المعاهد والكليات الجامعية. 
وقد اختلف تعاطي الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية في مجال تطبيق قانون منع الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية، ولجأت إلى التهدئة والابتعاد عن التصادم مع منظمي وناخبي الفرعيات من أبناء القبائل، وهو تعامل حضاري ينم عن وعي بأن الظواهر الاجتماعية لا يمكن معالجتها بالقانون وحده، أو باستخدام القوة، بل بطرق مبتكرة، إضافة الى التوعية، ولعل إحالة المخالفين للقانون في هذا الموضوع إلى النيابة بعد الرصد والتحريات الضرورية دليل تراكم وعي لدى الاجهزة الأمنية التي ارتأت تطبيق القانون من خلال تحكيم العقل والتحرك المدروس على القوة، 
وكان التعامل العنيف مع هذه الظواهر في الانتخابات الماضية قد أدى الى صدامات بين رجال الأمن وقطاعات كبيرة من أبناء القبائل، وضع رجال الأمن في مواجهة أهاليهم، وأدت الى انعكاسات سلبية وتحدّ شعبي لسلطة القانون، وارتباك واضطراب في أداء الواجب من بعض رجال الأمن. بل بلغ الأمر أن إحدى القبائل رفضت عبر فرعيتها إعادة انتخاب نوابها السابقين، بحجة أن النواب لم يثأروا لهم من وزارة الداخلية عبر استجواب الوزير المختص. 

تغليب روح الفروسية 
وضعت الانتخابات أوزارها واختار الناخبون نوابهم من الرجال والنساء، وتحقق الاستحقاق الديمقراطي المنتظر، ونأمل أن يضفي دخول المرأة الى قاعة عبدالله السالم شيئاً من الفروسية على أداء النواب، وتسود روح التآخي والتعاون بين السلطتين، فمن دون تعاونهما لا يمكن للتنمية أن تتحقق، ولا يمكن للديمقراطية أن تؤتي ثمارها، فالديمقراطية كما وصفها أحد المفكرين بأنها تتمحور حول الاعتراف بالكرامة الإنسانية، وإن المجتمع الديمقراطي مجتمع يقوم على الاحترام المتبادل.. وإذا كانت الديمقراطية رديف الحرية والكرامة الإنسانية فإن الحرية الحقيقية تكمن في احترام القوانين، وخرقها يؤدي إلى عدم المساواة بين الناس.. ومجلس الأمة هو الضلع الثالث من مثلث الديمقراطية في الدول، وهو الضلع الأهم لارتباطه بالتشريع وصياغة القوانين المتماشية مع الدستور، والضابطة لمسيرة المجتمع، والتي تعمل على هدى منها ووفقا لمقتضياتها السلطتان التنفيذية والقضائية. 
إن مجلس الأمة هو المعبر عن الديمقراطية والدستور، وهو رمزها، لذا يجب أن يرتقي من يحصل على شرف العضوية الى مستوى المسؤولية والإيمان بالديمقراطية واحترام القانون، وأن يكون قدوة للنشء، كما قال سمو الأمير في خطابه التاريخي في 18/3/ 2009 م، وأن يحسن النائب استخدام السلطات والأدوات التي أوكلت إليه من الشعب يما يخدم المصلحة العامة.. فما كان سائدا في السابق من تطاول واحتكار للتمثيل النيابي، وتطاول على الناس وحقوقهم وكرامتهم وعلى القوانين، ليس من الديمقراطية في شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق